للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرابع شر معدوم يخاف من وقوعه فهذا يطلب بقاؤه على العدم وأن لا يوجد.

وقد جاءت هذه المطالب الأربعة في قوله تعالى حكاية عن دعاء عباده في آخر آل عمران: ١٩٣ - ١٩٤: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا﴾، فهذا الطلب لدفع الشر الموجود فإن الذنوب والسيئات شر، ثم قال: ﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ فهذا طلب لدوام الخير الموجود وهو الإيمان حتى يتوفاهم عليه فهذا قسمان.

ثم قال: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾ فهذا طلب للخير المعدوم أن يؤتيهم إياه، ثم قال: ﴿وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ فهذا طلب أن لا يوقع بهم الشر المعدوم وهو خزي يوم القيامة.

فانتظمت الآيتان المطالب الأربعة أحسن انتظام، مرتبة أحسن ترتيب، قدم فيها النوعان اللذان في الدنيا، وهما المغفرة، ودوام الإسلام إلى الموت، ثم أتبعا بالنوعين اللذين في الآخرة، وهما أن يعطوا ما وعدوه على ألسنة رسله وأن لا يخزيهم يوم القيامة (١)

فهذه هي مطالب الإنسان التي يريدها ويتمناها ويسألها من ربه ولا تخرج مطالبه في الجملة عن هذه الأنواع الأربعة.

وقد تقدم لنا (٢) أن الدعاء يطلق على الأنواع الأربعة، وأن الاستعاذة والاستجارة والاستغفار لا تطلق إلّا على جانب الشر، أي النوع الثالث والرابع، وأن اللياذ لا يطلق إلا على جانب الخير أي الأول والثاني عند بعض العلماء وعند البعض يُطلق على جانب الشر، وأما السؤال فيطلق في جانب الخير فقط.


(١) بدائع الفوائد: ٢/ ٢٠٧ - ٢٠٨، وطريق الهجرتين ص: ٥٥.
(٢) تقدم ص: ٨٨ - ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>