للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو على الحوادث والملمات كما أنها تكون بالسجع المتكلف، ويزداد الأمر سوءاً وخطراً إذا كانت مشتملة على الاعتداء في المعنى بالاستغاثة بغير الله تعالى ونحو ذلك.

ثم إن الذين يدعون بتلك الأدعية يغنون ويطربون بها وربما تشبه أصواتهم أصوات المغنين، وقد أنكر العلماء هذه الفعلة في الأدعية أيضاً.

قال الكمال ابن الهمام الحنفي (ت ٨٦١ هـ):

ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح والاشتهار لتحريرات النغم إظهاراً للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية فإنه لا يقتضي الإجابة بل هو من مقتضيات الرد وهذا معلوم إن كان قصده إعجاب الناس فكأنه قال: اعجبوا من حسن صوتي وتحريري، ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال وما ذاك إلا نوع لعب فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك أدى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان (١).

وممن أنكر ذلك أيضاً المفسر الألوسي فإنه ذكر كراهة رفع الصوت بالدعاء ثم قال: "وترى كثيراً من أهل زمانك يعتمدون الصراخ في الدعاء، خصوصاً في الجوامع حتى يعظم اللغط ويشتد، وتستك المسامع وتستد، ولا يدرون أنهم جمعوا بين بدعتين رفع الصوت في الدعاء، وكون ذلك في المسجد" (٢).


(١) فتح القدير لابن الهمام: ١/ ٢٦١ - ١٦٣، وفيض القدير للمناوي: ١/ ٢٢٩ نقلاً عنه.
(٢) روح المعاني: ٨/ ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>