ومقصوده، فإن الخاشع الذليل إنما يسأل مسألة مسكين ذليل قد انكسر قلبه، وذلت جوارحه، وخشع صوته، حتى إنه ليكاد تبلغ ذلته وضراعته إلى أن ينكسر لسانه فلا يطاوعه بالنطق، وقلبه يسأل طالباً مبتهلاً، ولسانه لشدة ذلته ساكتاً، وهذه الحال لا تأتي مع رفع الصوت بالدعاء أصلاً.
ورابعها: أنه أبلغ في الإخلاص.
وخامسها: أنه أبلغ في جمعية القلب على الله في الدعاء فإنَّ رفع الصوت يفرقه فكلما خفض صوته كان أبلغ في تجريد همته وقصده للمدعو سبحانه.
وسادسها: أنه دال على قرب صاحبه إلى من يدعوه وهو الله القريب المجيب ولا يكون من نداء البعيد للبعيد حتى يحتاج إلى رفع الصوت.
ولهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله ﷿: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣)﴾ [مريم: ٣]، ففي ذلك استحضار القلب قرب الله ﷿، وأنَّه أقرب إليه من كل قريب فلهذا يخفي دعاءه ما أمكن وإلى ذلك أشار ﷺ بقوله:"اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته".
وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ١٨٦].
وهذا القرب من الداعي هو قرب خاص، فهو قريب من داعيه وقريب من عابديه وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
وسابعها: أنه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال فإن اللسان لا يمل والجوارح لا تتعب بخلاف ما لو رفع فإنه يضعف.
وثامنها: أن إخفاء الدعاء أبعد له من القواطع والمشوشات فإنه إذا أخفى دعاءه لم يدر به أحد حتى يشوش عليه، وربما تعلقت نفس الداعي بمراقبتهم فتتفرق همته فيضعف أثر الدعاء.
وتاسعها: أن أعظم النعمة الإقبال على الله وعبادته، ولكل نعمة