وإلا لو كان المدعو يجهل بدعائه وأحواله ومكانه لم يكن هناك فائدة في دعائه والاستغاثة به، إذ الإجابة لدعاء الداعي فرع عن علم المدعو بحاجة الداعي.
فالداعي يعتقد أن المدعو عالم، وعلمه محيط بجميع الكائنات، وما تتحرك ذرة في السماء والأرض إلا وهو عالم بها ولا يخطر على البال خاطر إلا وهو يعلمه، ولا يختلج في النفس شيء إلا وهو مطلع عليه، ولا ينتاب الداعي، نائبة ولا تحدث له حادثة إلا وهو يعلمها، ولا عليه هم ولا غم ولا حزن إلا وهو مطلع عليه وعالم به وبأسبابه وبما يرفع ذلك أو يخففه، فهذا العلم المحيط (١) الشامل للغيب والحاضر صفة خاصة بالله تعالى، قال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)﴾ [الأنعام: ٥٩]. وقال عز من قائل: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦١)﴾ [يونس: ٦١].
وقال عز من قائل: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: ٢٦].
فالاعتقاد بالعلم المحيط الشامل للكون علويه وسفليه من مقتضيات معنى الدعاء ولوازمه فلو قلنا جدلًا: إنه لا يلزم منه اعتقاد الداعي بالعلم المحيط للكون فلا بد أن نقول: إنه يلزمه أن يعتقد أن المدعو علمه محيط بالداعي وبحاله وخواطره.