للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك لأن الداعي لو لم يرسخ في ذهنه أن المدعو المستغاث به يعلم حاجته وسره وعلانيته وخواطره، وهواجسه وخلجات فؤاده وحركات أنفاسه ووساوس نفسه.

لو لم يرسخ في ذهنه هذا لما نادى واستغاث وطلب النجدة والإنقاذ ولما أتعب نفسه في التذلل والتضرع والابتهال، والانطراح بين يدي المسؤول، إذ إجابة الدعاء فرع عن العلم بنداء الداعي واستغاثته وأحواله وحاجته لأن الجاهل بهذه الأمور لا يمكن إجابته كما لا يخفى.

وهذا التلازم الذي نقول به قد قال به الرازي وغيره ممن يعترف بكلامه المخالف، وهو تلازم واضح بيِّن لا مفر منه، وسيأتي كلام الرازي وغيره في آخر هذا البحث.

ويؤكد هذا التلازم أيضًا ادعاء هؤلاء العلم بالغيب لمن يدعونهم، وادعاء الآخرين ذلك لأنفسهم، كما يؤكده شهادات كبار العلماء باعتقادهم ذلك، ويؤكده الواقع المشاهد من أحوال من يدعو غير الله تعالى.

فأما ادعاؤهم معرفة الغيب لأنفسهم فكثير جدًّا، فمن ذلك:

ما ذكره الطوسي في كتابه اللمع أنه سمع من شيخه أنه دخل على الشبلي (١) فكان يقول له ولمن معه أي الزائرين المريدين:

"مروا أنا معكم حيث ما كنتم أنتم في رعايتي وفي كلأتي" (٢).

وهذا واضح في ادعائه لعلم الغيب ولا ينفع فيه التأويل لأنه نص صريح لا يقبل التأويل.

وذكر القشيري عن الخضر أنه لقي في المدينة النبوية وليًا أعظم منه


(١) الشبلي هو أبو بكر دلف بن جعفر وقيل جعفر بن يونس قال الذهبي: وكان فقيهًا عارفًا بمذهب مالك لكنه يحصل له جفاف دماغ وسكر فيقول أشياء يعتذر عنه وله مجاهدات عجيبة انحرف منها مزاجه. اهـ. سير أعلام النبلاء: ١٥/ ٣٦٧.
(٢) اللمع: ٤٧٨، وتلبيس إبليس: ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>