للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكذلك اعتقادهم العلو أمر فطري؛ انظر إلى من وقع في كرب عظيم تجده يتجه مباشرة بفطرته إلى جهة السماء قلبًا وقالبًا ظاهرًا وباطنًا يرفع يديه إلى السماء في الظاهر ويتجه بفكره وقلبه نحو السماء يتطلع نحوها وينتظر الفرج من جهتها لا من الجهة السفلى ولا من الجهات الأخرى، فهذه المعرفة الفطرية تزداد قوة على قوة عند بعض الناس وقد تضعف عند من اجتالتهم شياطين الإنس والجن بالشبهات والشكوك، قال الله تعالى في حديث قدسي: وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم" (١).

ومع هذه الشبهات تجد أحدهم إذا وقع في شدة وكرب يرجع إلى فطرته ويتجه نحو السماء بدافع باطني قوي لا تستطيع الشبهات أن تمنعه وتعارضه لأنه أمر ضروري لا تستطيع الشكوك دفعه ولا مقاومته.

وكلما أكثر العبد من الدعاء ازداد علمه الضروري بعلو الله تعالى.

قال شيخ الإسلام : وأما كونه عاليًا على مخلوقاته بائنًا منهم فهذا أمر معلوم بالفطرة الضرورية التي يشترك فيها جميع بني آدم، وكل من كان بالله، أعرف وله أعبد ودعاؤه له أكثر، وقلبه له أذكر، كان علمه الضروري بذلك أقوى وأكمل، فالفطرة مكملة بالشريعة المنزلة فإن الفطرة تَعْلَم الأمر مجملًا، والشريعة تفصله وتبينه (٢).

وذلك أن الرسل صلوات الله عليهم بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتبديل الفطرة وتغييرها، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [الروم: ٣٠].

ومن هنا جاءت الشريعة برفع الأيدي في الدعاء إلى جهة العلو تكميلًا لما عليه الفطرة من اعتقاد العلو (٣) لأن الله تعالى قد فطر العباد.


(١) أخرجه مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي: ٤/ ٢١٩٧ رقم ٢٨٦٥.
(٢) نقض المنطق ص: ٣٩، أو الفتاوى: ٤/ ٤٥، وهو قطعة من نقض المنطق إلى ص: ١٩٠ فتأمل.
(٣) الفتاوى: ٦/ ٥٧٥ - ٥٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>