للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عربهم وعجمهم - على أنهم إذا دعوا الله توجهت قلوبهم إلى العلو، ولا يقصدونه تحت أرجلهم، فهذه الفطرة تدفع شبهات أهل الحلول والتعطيل (١).

والمقصود أن الإكثار من الدعاء يزيد الفطرة قوة ويصقلها ويجليها مما علق بها لاسيما فيما يتعلق باعتقاد علو الله تعالى، كما أن الإيمان بالعلو يجعل العبد يتجه بقلبه إلى الله تعالى بخلاف من لا يؤمن بذلك فإن اتجاهه بالقلب إلى الله يكون ناقصًا ضعيفًا، قال الجويني والد إمام الحرمين أبو محمد عبد الله بن يوسف (ت ٤٣٨ هـ) في رسالته القيمة في إثبات الاستواء والفوقية: "العبد إذا أيقن أن الله تعالى فوق السماء عال على عرشه بلا حصر ولا كيفية وأنه الآن في صفاته كما كان في قدمه، صار لقلبه قبلة في صلاته وتوجهه ودعائه، ومن لا يعرف ربه بأنه فوق سماواته على عرشه فإنه يبقى ضائعًا لا يعرف وجهة معبوده" (٢).

وقد تبين من كلام الجويني أن الإيمان بعلو الله تعالى يجعل القلب مطمئنًا غير حائر بخلاف من لم يؤمن بذلك فإنه يعيش في حيرة وارتياب وشك، وقد حكى شيخ الإسلام اتفاق أهل المعرفة بالله على أن معرفة العبد بربه وتوجهه إليه ودعاءه له لا يتم بدون الإقرار بعلو الله تعالى وأن الإقرار بذلك يثبت الإلهية في القلب ويوحد قصده، وأما بدون تلك المعرفة فيبقى مضطربًا عنده نوع من الريب والاضطراب (٣).

وقد قرر العلماء دلالة الفطرة على علو الله تعالى على أبلغ وجه وكثر كلامهم في بيان ذلك وقد نقل المحققون من أهل العلم كلام العلماء ذلك وبيانهم لاتفاق الناس على اعتقاد ذلك.


(١) المرجع نفسه: ٥/ ٢٥٩.
(٢) رسالة في إثبات الاستواء والفوقية لأبي محمد الجويني ضمن المجموعة المنيرية: ١/ ١٨٥، ونحوه في طريق الهجرتين ص: ٢٠.
(٣) بيان تلبيس الجهمية: ٢/ ٤٦٦، والفتاوى: ٥/ ٢٥٩، ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>