وإليك خلاصة (١) كلام هؤلاء المحققين الذين ذكروا دلالة توجه البشر بالدعاء إلى السماء ورفع الأيدي إليها على علو الله تعالى:
قال العلماء: إن العلم بالعلو أمر فطري ضروري مستقر في فطر بني آدم لا يختص به أهل الملل والشرائع.
كما أن قصدهم لربهم عند الحاجات التي لا يقضيها إلا هو هو أيضًا أمر ضروري.
وكذلك قصدهم الله تعالى بتوجه قلوبهم إلى العلو أيضًا أمر ضروري فهم مفطورون على الإقرار به وأنه في العلو، وعلى أنهم محتاجون إليه يسألونه عند الضرورات وعلى أنهم يقصدونه في العلو لا في السفل وأن قلوبهم بفطرتها تتوجه إلى العلو.
وإنما قلنا: إن علمهم بهذا ضروري لأنه يلزم نفوس بني آدم لزومًا لا يمكنهم الانفكاك عنه أعظم من لزوم العلم الضروري بالأمور الحسابية ككون الواحد ثلث الثلاثة، لأن هذا علم مجرد ليسوا مضطرين إليه، فقد لا يخطر ذلك ببال أحدهم، وأما هذا العلم فهم مع كونهم مضطرين إليه مضطرون أيضًا إلى موجبه ومقتضاه وهو الدعاء والسؤال للمدعو الذي هو فوق.
وهذا أمر متفق عليه بين العقلاء السليمي الفطرة، فأما الذين لا يجدون في أنفسهم علمًا ضروريًا وقصدًا ضروريًا لمن هو فوق العالم فقد مرضت قلوبهم وفسدت فطرتهم ففسد إحساسهم الباطن كما يفسد الإحساس الظاهر كالمرة التي تفسد الذوق فالعبرة بذوي الفطرة السليمة من الفساد، فهؤلاء متفقون على ذلك وكل منهم يخبر بذلك عن فطرته من غير مواطأة من بعضهم لبعض.
(١) انظر عن هذه الخلاصة: درء تعارض العقل: ٧/ ٢٥، ١٣٢ - ١٣٣، ٦/ ١٢، ٨٥، ٢٦٥، ٢٧٢، ٣٤٣، وتلبيس الجهمية: ٢/ ٤٤٦ - ٤٤٧، ٤٦٠، ٤٦٩ - ٤٧٠، ٤٨٤، واجتماع الجيوش الإسلامية ص: ٥٠، والصواعق المرسلة: ٤/ ١٣٠٦.