فإن دُعِيَتْ كنتُ المجيبَ وإن أكن … منادى أجابت من دعاني ولبتِ
فقد رفعت تاء المخاطب بيننا … وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي (١)
فهذان الاتجاهان اشتركا مع الطائفة الأولى في أن الله - تعالى عما يقول هؤلاء - لا يجيب الدعاء وأنه من أجل هذا فلا يدعى، ولكن اختلفوا في تعليل ذلك وتوجيهه.
فالعلة عند الاتجاه الأول: هو الاحتجاج بسبق المشيئة والعلم والقضاء والقدر، وعند الثاني: عدم علم الله للدعاء وعدم قدرته، وعند الثالث: اتحاد الداعي والمدعو وكونهما شيئًا واحدًا. لكن الاتجاهان الأخيران أثبتا تأثير الدعاء على وجه يطابق عقيدة القائلين بالاتجاهين.
سبب تأثير الدعاء عند أرسطو وأتباعه:
فهؤلاء لما رأوا تأثير الدعاء وتحققوا من ذلك لم يمكنهم إنكار هذا الأمر الذي شهدت به تجارب الأمم وأقرت به الفطر والعقول، ولكنهم لجأوا إلى تفسير ذلك بما يوافق عقيدتهم فزعمت طائفتهم من الملاحدة والصابئين والمتفلسفة المشائين أتباع أرسطو ومن تبعه من متفلسفة أهل الملل كالفارابي وابن سينا ومن سلك سبيلهما ممن خلط ذلك بالكلام والتصوف والفقه زعموا أن الدعاء إنما تأثيره بكون النفس تتصرف في العالم، لا يكون الله يجيب الداعي، فتأثير الدعاء عندهم إنما هو من تأثير النفوس البشرية من غير أن يثبتوا للخالق سبحانه بذلك علمًا مفصلًا أو قدرة على تغيير العالم، أو أن يثبتوا أنه لو شاء أن يفعل غير ما فعل لأمكنه ذلك، بل العالم عندهم فيض فاض عنه بغير مشيئته وقدرته وعلمه فلهذا فالله تعالى على رأيهم لا يستطيع التأثير في العالم، وإنما هو علة العلل كما يسمونه، وهكذا يزعمون في تأثير سائر الممكنات المخلوقات من القوى الفلكية والطبيعية والقوى النفسانية والعقلية، فالدعاء عند هؤلاء