للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علومهم، فإن النبي أخبرهم بالقدر السابق وجريانه على الخليقة بالأسباب فإن العبد ينال ما قدر له بالسبب الذي أُقْدِر عليه ومُكِّن منه وهيء له فإذا أتى بالسبب أوصله إلى القدر الذي سبق له في أم الكتاب وكلما زاد اجتهادًا في تحصيل السبب كان حصول المقدور أدنى إليه وهذا كما إذا قدر له أن يكون من أعلم أهل زمانه فإنه لا ينال ذلك إلا بالاجتهاد والحرص على التعلم وأسبابه (١).

وقد فَطر الله سبحانه عباده على الحرص على الأسباب التي بها مَرامُ معاشهم ومصالحهم الدنيوية، بل فطر الله سائر الحيوانات على الحرص على المنافع وهداها لمصالحها المعاشية بما يحفظها ويقيمها سواء كان الحيوان ناطقًا أو بهيمة أو طيرًا أو دواب فقد هدى الذكر للأنثى وهداهما إلى التقام الثدي عند الخروج من بطن الأم وتمييز الأم من غيرها وإلى المرعى النافع دون الضار، وهدى بعض الحيوانات إلى ما يعجز عنه البشر كهداية النحل إلى الأفعال العجيبة والبالغة الغاية في الدقة، وكهداية النمل إلى الطرق والحيل التي فيها معاشها مع كونها من أصغر الحيوانات، وهداية الهدهد، والحمام والذئب والثعلب إلى ما هو أعجب من الأعمال والحيل التي يعملها الإنسان، وقد قال تعالى حاكيًا عن موسى: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠].

وقال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: ٣٨] (٢).


= وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأصل الحديث في مسلم: ٤/ ٢٠٤٠، وحديث ابن عباس أخرجه البزار كما في كشف الأستار: ٤/ ١٩، والطبراني كما في المجمع: ٧/ ١٩٥، وقال الهيثمي: ورجال الطبراني ثقات وفيه قال القوم بعضهم لبعض: فالجد إذًا.
(١) شفاء العليل: ٥٦.
(٢) يراجع شفاء العليل من ١٤٤ - ١٧١ فإنه ذكر أمور كثيرة وضرب أمثلة رائعة في الموضوع، وبدائع الفوائد: ٢/ ٣٥ - ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>