للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحاصل أن العبد لا يدري هل الأمر معلق بالدعاء إن اجتهد وابتهل في الدعاء يعطى، وإن لم يجتهد في الدعاء فلا يعطى؟، لذا عليه الاجتهاد بالدعاء لاحتماله أن مطلوبه معلق على الدعاء.

ويزيد هذا الوجه وضوحًا الوجه التالي:

الرابع: أن الله أمرنا أن نعمل ونكد ونجتهد ونحرص وأن ندفع قدره بقدره فالعبد مأمور بأن يزيل الشر بالخير ويزيل الكفر بالإيمان والبدعة بالسنة والمعصية بالطاعة من نفسه ومن عنده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد بحسب الإمكان وإن كان كل ذلك بقدر الله (١)، ولهذا قال عمر بن الخطاب لأبي عبيدة عندما هم بالرجوع من الطريق لسماعه بوقوع الطاعون بالشام فقال له أبو عبيدة بن الجراح : أفرارًا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل فهبطت واديًا له عدوتان إحداهما مخصبة والأخرى جَدِبَة أليس إن رعيت الخَصِبَة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله (٢)؟ فالعبد يدفع قدر الله تعالى بقدر الله تعالى، لأن القدر السابق لا يمنع العمل ولا يوجب الاتكال عليه بل يوجب الجد والاجتهاد، ولهذا لما سمع بعض الصحابة إخبار النبي بالقدر السابق وجريانه على الخليقة بالأسباب قال: "ما كنت أشد اجتهادًا مني الآن" (٣).

وهذا مما يدل على جلالة فقه الصحابة ودقة أفهامهم وصحة


(١) الفتاوى: ٨/ ٥٤٧ - ٥٤٨.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ: ٢/ ٨٩٤ رقم ٢٢.
(٣) لم أجد هذا الأثر بهذا اللفظ ولكن هناك عدة روايات بمعناه فقد روي عن عمر من حديث أبي هريرة وعن سراقة، وابن عباس. حديث عمر أخرجه ابن أبي عاصم عن أبي هريرة في السنة: ٢/ ٧٢ رقم ١٦٥ وصححه الألباني وفيه قال - أي عمر - فالآن نجتهد والآجري ص: ١٧٠، وابن حبان رقم ١٨٠٧ وحديث سراقة أخرجه ابن أبي عاصم رقم ١٦٧، والطبراني في الأوسط كما في المجمع: ٧/ ١٩٥، وفيه قال سراقة: الآن نجتهد وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح، =

<<  <  ج: ص:  >  >>