للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسكة من عقل بل فطر الله الحيوان على حب الانتقام والجزاء عند الاعتداء عليه، فهذا أمر ممتنع في الفطرة لا يمكن أحدًا أن يفعله فهو ممتنع طبعًا محرم شرعًا، ففي هذا مخالفة لسنة الله الكونية والشرعية.

ثالثها (١): أن لا يقول بمعاقبة الكفار ولا بجهادهم وقتالهم ولا بإقامة الحدود ولا يلوم إبليس ولا فرعون وقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ولا ينكر أي منكر وقع في الأرض ولا أي فساد في المجتمع.

رابعها: أن يقول: لا حاجة بنا إلى الطاعة والإيمان لأن ما قضاه الله من الثواب والعقاب لا بد وما يدري هذا القائل الأخرق الأحمق أن الله قد رتب مصالح الدنيا والآخرة على الأسباب بناء على ما سبق به القضاء لا بغيره (٢). ومع وضوح شناعة هذا اللازم قد التزم به بعضهم حتى قال: "لا حاجة إلى الأعمال المأمور بها فإن من خلق للجنة فهو يدخلها وإن لم يؤمن ومن خلق للنار فهو يدخلها وإن آمن" (٣).

والحاصل أن الاحتجاج بالقضاء والقدر ليس حجة مقبولة فإن القدر يؤمن به ولا يحتج به، فإن المحتج به فاسد العقل والدين ولا بد أن يتناقض ولا يستطيع أحد أن يلتزم بما يترتب عليه من المفاسد الشنيعة فلهذا كان الاحتجاج بالقدر باطلًا بطلانًا ضروريًا مستقرًا في جميع الفطر والعقول، وهذا أمر جبل الله عليه الناس كلهم مسلمهم وكافرهم لا يحتجون به، ولكون الاحتجاج به باطلًا في فِطَر الخلق وعقولهم لم تذهب إليه أمة من الأمم ولا يمكن اثنان أن يتعاشرا ساعة واحدة إن لم يكن أحدهما ملتزمًا مع الآخر نوعًا من الشرع (٤).


(١) انظر هذا الوجه في الفتاوى: ٢/ ٣٢٣، ومنهاج السنّة: ٣/ ٨١.
(٢) العز بن عبد السلام، فتاويه: ٩٩، وانظر هذا الإلزام في تفسير الرازي أيضًا: ١٤/ ١٣٥.
(٣) جامع الرسائل: ١/ ٩٢.
(٤) منهاج السنة: ٣/ ٦٥، ٦٦، ٨٤، ١٥٠، ٢٣٠ - ٢٣١، والفتاوى: ٢/ ٣٢٣، والتدمرية ص: ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>