للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [الحشر: ٢٠].

فقد أنكر الله تعالى في هذه الآيات على من ظن أن وجود الأسباب كعدمها (١)، فثبت بهذا كون إنكار الأسباب قدحًا فيما جاءت به الشريعة.

التاسع (٢): إن هذا القول يلزم القائل به أمور في غاية الشناعة:

أحدها: أن لا يعمل الأسباب التي توصله إلى منافعه الدنيوية فيلزمه أن يترك الأكل والشرب ويقول: إن قضى لي الشبع والري فلا بد أن يصل إليَّ سواء أكلت وشربت أو تركت، وعليه أن لا يلبس إذا برد ولا يتزوج وأن لا يأتي أهله إذا أراد الولد وأن لا يتداوى إذا مرض، وأن يلقى الكفار بدون سلاح، وإذا أراد الحج أن لا يسافر ولا يتحرك بل يجلس في بيته، وإذا أراد أن يتحصل على الزرع فعليه أن لا يحرث ولا يزرع.

فهذه الأمور الشنيعة قد التزم ببعضها بعض أهل الضلال من هؤلاء، فقد قال العز بن عبد السلام : ولقد قال بعض مشايخ الضلال منهم: "لا يجوز التداوي لأنه شرك واعتماد على الأسباب فكان جوابه: أن لا يأكل ولا يشرب ولا يلبس ولا يركب ولا يدفع عن نفسه من أراد قتله ولا عن أهله من قصدهم بالزنا والفواحش فبهت الذي فجر والله لا يهديه وأمثاله إلى الحق والصواب" (٣).

ثانيها (٤): أن لا يطالب بشيء إذا أفسدوا عليه أمواله أو قتلوا أولاده، أو ضربوه أو سبوه أو اعتدوا على عرضه وحرمته وعليه أن لا ينتصر من الظالم ولا يغضب عليه ولا يذمه، ولا يلتزم بهذا من له أدنى


(١) الفتاوى: ١٠/ ٢٨، وجواب أهل العلم والإيمان: ١٧٣.
(٢) انظر هذا الوجه في فتاوى العز بن عبد السلام: ٩٩، وزاد المعاد: ٤/ ١٥ - ١٦، و ٣/ ٤٨١، وتفسير الرازي: ١٤/ ١٣٥، وتلبيس إبليس: ٢٨٧.
(٣) فتاوى العز بن عبد السلام: ٩٩.
(٤) انظر هذا الوجه في منهاج السنة: ٣/ ٢٣، ٥٥، ٥٦، ٥٧، وزاد المعاد: ٤/ ١٦، والتدمرية ص: ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>