فتبين بهذا التقرير أن نفي الأسباب نقص واضح في العقل، وقدح في الشرع.
وقد ذكر ابن الجوزي ﵀ أن الإعراض عن الأسباب إنما كان قدحًا في الشرع لأنه ترك لما أمر الله به ولأنه طلب لتعاطي رتبة تَرْقَى على رتبة الأنبياء لأن موسى ﵇ لما قيل له: ﴿إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ [القصص: ٢٠] خرج ولما جاع واحتاج إلى عفة نفسه أجر نفسه ثمان سنين … (١).
ومما يدل على أن إنكار الأسباب قدح في الشرع ما ثبت من إنكار الله تعالى في كتابه العزيز على من ظن أن وجود الأسباب كعدمها، وأنه لا فرق بين ما أمر الله به وأحبه ورضيه وبين ما نهى عنه وأبغضه، فقال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الجاثية: ٢١].