للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ومما ينبغي أن يعلم أنه بعد انتفاء المانع ووجود المقتضي فلا بد من تسخير مسبب الأسباب وخالق الأسباب كلها سواء كانت حركة حي باختياره وقصده، كما يحدثه تعالى بحركة الملائكة والجن والإنس والبهائم، أو حركة جماد بما يجعل الله فيه من الطبع أو بقاسر يقسره كحركة الرياح والمياه فالله خالق ذلك كله فإنه لا حول ولا قوة إلا به وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فالرجاء يجب أن يكون كله للرب والتوكل عليه والدعاء له فإنه إن شاء ذلك ويسره كان وتيسر ولو لم يشأ الناس، وإن لم يشأه ولم ييسره لم يكن وإن شاءه الناس (١).

وإنما كان محو الأسباب أن تكون أسبابًا نقصًا في العقل، كما أنه قدح في الشرع لأن في ذلك مخالفة لما تشهد له العقول والفطر السليمة كما أن فيه مخالفة لما شرعه الله تعالى من طلب الأسباب، فمن رفض الأسباب صار مخالفًا لما يقتضيه العقل والشرع فهو نقص في العقل، كما أنه قدح في الشرع لأن الشارع جعل أفعال العباد سببًا لما نيط بها فهي سبب في وجود ما علق عليها والعقل السليم لا ينكر ذلك لأنه أمر مشاهد محسوس وإنما ينكر ذلك العقل الذي أصابه خلل من مرض الجهل والشبهات، إذ العقل السليم يعرف أن ما أمر الله به من العبادات والدعوات والعلوم والأعمال من أعظم الأسباب فيما نيط بها من العبادات، وكذلك ما نهى عنه من الكفر والفسوق والعصيان هي من أعظم الأسباب لما علق بها من شقاوات، وكذلك الدعاء والتوكل من أعظم الأسباب لما جعله الله سببًا له فمن قال: ما قدر لي فهو يحصل لي دعوت أو لم أدع، وتوكلت أو لم أتوكل فهو بمنزلة من يقول: ما قسم لي من السعادة والشقاوة فهو يحصل لي آمنت أو لم أؤمن وأطعت أم عصيت، ومعلوم أن هذا ضلال وكفر وإن كان الأول ليس في مثل هذا الضلال (٢).


(١) الفتاوى: ٨/ ١٦٦.
(٢) الفتاوى: ٨/ ١٧٥ - ١٧٧، ويراجع زاد المعاد: ٢/ ٣٦٣، وشفاء العليل: ٣٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>