للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرع وعطل حكمة الصانع" (١).

الثامن: إن هذه الشبهة فيها إلغاء للأسباب، وهو نقص في العقل، قالت طائفة من العلماء (٢): "الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع وإنما التوكل والرجاء معنى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع" (٣).

وإنما كان الالتفات إلى الأسباب شركًا، لأن معنى الالتفات إلى السبب هو اعتماد القلب عليه ورجاؤه والاستناد إليه، وليس في المخلوقات ما يستحق هذا لأنه لا يوجد سبب مستقل بمطلوب، بل لا بد من انضمام أسباب أخر إليه، وما ثَمَّ علة تامة إلا مشيئة الله، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا بد أيضًا من صرف الموانع والمعارضات عنه حتى يحصل المقصود، فكل سبب فله شريك وله ضد، فإن لم يعاونه شريكه ولم يصرف عنه ضده لم يحصل مسببه فالمطر وحده لا ينبت النبات إلا بما ينضم إليه من الهواء والتراب وغير ذلك، ثم الزرع لا يتم حتى تصرف عنه الآفات المفسدة له، والطعام والشراب لا يغذي إلا بما جعل في البدن من الأعضاء والقوى، ومجموع ذلك لا يفيده إن لم تصرف المفسدات، فلا يتم المطلوب إلا بوجود المقتضي وعدم المانع، وكل سبب معين فإنما هو جزء من المقتضي فليس في الوجود شيء واحد هو المقتضي بنفسه.

وأما أن يكون في المخلوقات علة تامة تستلزم معلولها وسبب تام يستلزم مسببه فهذا باطل (٤).


(١) تلبيس إبليس: ٣٠٤ - ٣٠٥.
(٢) نسبه في منهاج السنة: ٥/ ٣٦٦ إلى الغزالي وابن الجوزي.
(٣) الفتاوى: ٨/ ١٦٩، ١٧٠، ومنهاج السنة: ٥/ ٣٦٦، والآداب الشرعية: ٢/ ٢٨٦.
(٤) الفتاوى: ٨/ ١٦٧، ١٦٩، ١٣٣، وبيان تلبيس الجهمية: ٢/ ٤٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>