للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما صار هذا الظن جهلًا بالعلم لوجهين ذكرهما شيخ الإسلام:

أحدهما: أن العلم يطابق المعلوم، ويتعلق به على ما هو عليه، وهو سبحانه قد علم أن المكونات تكون بما يخلقه من الأسباب لأن ذلك هو الواقع فمن قال: إنه يعلم شيئًا بدون الأسباب فقد قال على الله الباطل، وهو بمنزلة من قال: إن الله يعلم أن هذا الولد ولد بلا أبوين وأن هذا النبات نبت بلا ماء.

ثانيهما: أن العلم ليس موجبًا بنفسه لوجود المعلوم باتفاق العلماء، بل هو مطابق له على ما هو عليه لا يكسبه صفة ولا يكتسب منه صفة، بمنزلة علمنا بالأمور التي قبلنا، كالموجودات التي كانت قبل وجودنا مثل علمنا بالله وأسمائه وصفاته فإن هذا العلم ليس مؤثرًا في وجود المعلوم باتفاق العلماء، وإن كان من علومنا ما يكون له تأثير في وجود المعلوم كعلمنا بما يدعونا إلى الفعل، ويعرفنا صفته وقدره فإن الأفعال الاختيارية لا تصدر إلا ممن له شعور وعلم، إذ الإرادة مشروطة بوجود العلم (١).

والحاصل أن علم الله بما سيكون لا يكون هو المؤثر في وجوده بدون الأسباب التي علمها الله وجوده بها فإن ذلك يخالف الواقع الذي علمه الله تعالى لأنه يعلم الأشياء على ما هي عليه فإذا كانت تقع بسبب، علمها تقع بسبب لا بدون سبب، فإذا حصل الدعاء من العبد علمنا أن المعلوم لله تعالى والذي قدره الله تعالى هو الدعاء، وإذا لم يحصل الدعاء من العبد علمنا أن المعلوم لله تعالى والذي قدره الله تعالى هو عدم الدعاء (٢).

وأما مناقشة استدلالهم بما روي عن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا السلام فتتلخص في ناحيتين:


(١) الفتاوى: ٨/ ٢٨٠، وجامع الرسائل: ١/ ١٧٢.
(٢) الفتاوى: ٨/ ١٩٥ - ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>