للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفيلسوف يعترف ويقر بتأثير الدعاء لكنه يفسر ذلك التأثير على وجه يوافق عقيدته بتأثير الكواكب.

والدعاء مثل سائر الأسباب كالتوكل والصدقة … سبب لجلب المنافع ودفع المضار (١).

ثم الدعاء - مع ثبوت كونه سببًا - داخل في القضاء، ولا يخرج عن القضاء فإن الدعاء من جملة ما سبق به القضاء لأن الله سبحانه أحاط بكل شيء علمًا وقدر كل شيء تقديرًا ولا يمكن أن يخرج شيء عن قضائه، فلهذا فالدعاء نفسه داخل في القضاء فإذا قدر الدعاء وأنه سبب لكذا فلا بد أن يدعو الرجل وأن يتسبب ذلك فيما جعله الله سببًا فالدعاء سبب لجلب النفع كما أنه سبب لدفع البلاء فإذا كان أقوى منه دفعه وإن كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه، وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء ولا أبلغ في حصول المطلوب.

ولهذا أمر عند انعقاد أسباب الشر بما يدفع موجبها بمشيئة الله تعالى وقدرته من الصلاة، والدعاء، والذكر والاستغفار والتوبة، والإحسان بالصدقة والعتاقة، فإن هذه الأعمال الصالحة تعارض الشر الذي انعقد سببه كما في الحديث: "إن الدعاء والبلاء ليلتقيان بين السماء والأرض فيعتلجان" (٢)، وهذا كما لو جاء عدو فإنه يدفع بالدعاء وفعل الخير وبالجهاد له وإذا هجم البرد يدفع باتخاذ الدفء، فكذلك الأعمال الصالحة والدعاء (٣).


= عن شيخه ابن تيمية أنه قال: "وأقر أولهم وآخرهم أن الله تعالى يدفع عن أهل العبادة والدعاء ببركته ما زعموا أن الأفلاك توجبه، وأن لهم من ثواب الدارين ما لا تقوى الأفلاك أن تجلبه". اهـ. الفروع: ٦/ ١٧٨.
(١) الفتاوى: ١٠/ ٥٥٠.
(٢) تقدم تخريجه ص: ٣٤٩.
(٣) منهاج السنة ٥/ ٤٤٥، والرد على المنطقيين: ٢٧١ - ٢٧٢، والفتاوى: ٨/ ١٩٦، وزاد المعاد: ٤/ ١٨٢، والجواب الكافي: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>