العبر والدروس، ومن تلك الدروس التي نأخذها تأثير الدعاء وفائدته العظيمة في جلب المنافع ودفع المضار وأنه سمة العبودية وأنه الغذاء الروحي لاسيما عند نزول الشدائد المدلهمة، ونسوق إن شاء الله تعالى جملة مما حكى الله لنا من تلك الأدعية المباركة.
ومما حكى الله لنا عن نوح ﵇ مما يدل على تأثير الدعاء:
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾ [الصافات: ٧٥]. ما أصرحها في تأثير الدعاء وأوضحها وأبينها من حجة قاطعة وما أبلغها من برهان ساطع!! ومثلها قوله تعالى في قصة نوح أيضًا: ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٦، ٧٧]، ودلالة الآية على تأثير الدعاء من أوجه:
١ - الأول: إلغاء السببية، وهي موضوعة في اللغة العربية للترتيب والتعقيب فالمعطوف بها مرتب على المعطوف عليه ترتب المسبب على سببه والمعلول على علته.
وقد ذكر علماء اللغة إفادتها للسببية لاسيما في عطف الجمل والأوصاف.
قال ابن هشام (١) النحوي بعد أن ذكر أنها ترد على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون عاطفة، وتفيد ثلاثة أمور أحدها الترتيب …
الأمر الثاني: التعقيب ....
والأمر الثالث: السببية .. وذلك غالب في العاطفة جملة أو صفة، فالأول نحو ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ [القصص: ١٥] ونحو: ﴿فَتَلَقَّى
(١) هو عبد الله بن يوسف بن أحمد بن هشام الأنصاري الحنبلي النحوي أتقن العربية ففاق الأقران بل الشيوخ (ت ٧٦١ هـ)، الدرر الكامنة: ٢/ ٣٠٨، وبغية الوعاة: ٢/ ٦٨.