الذي قذف في قلب العبد الحركة إلى الدعاء وألهمه التضرع والابتهال والانطراح بين يديه ووفقه لذلك وصرف عنه الموانع من استكبار وإلحاد وكسل وغير ذلك، فهذا الخير والتوفيق منه ولولا هذا الإلهام لما دعا العبد، وقد قال عمر ﵁: إني لا أحمل هم الإجابة، وإنما أحمل هم الدعاء، ولكن إذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه".
وأخذ الشاعر هذا المعنى فنظمه فقال:
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه … من جود كفيك ما علمتني الطلبا
فإذا أراد الله بعبد خيرًا ألهمه دعاءه والاستعانة به وجعل استعانته ودعاءه سببًا للخير الذي قضاه له.
كما أن الله تعالى إذا أراد أن يشبع عبدًا أو يرويه ألهمه أن يأكل أو يشرب، وإذا أراد أن يتوب على عبد ألهمه أن يتوب فيتوب عليه، وإذا أراد أن يرحمه ويدخله الجنة يسره لعمل أهل الجنة، والمشيئة الإلهية هي التي اقتضت وجود هذه الخيرات بأسبابها المقدرة لها كما اقتضت وجود دخول الجنة بالعمل الصالح ووجود الولد بالوطء، والعلم بالتعلم، فعلم بهذا أن إلهام الله لعبده الدعاء هو السبب الرئيسي في القضية فلهذا قال عمر ﵁ ما تقدم، وقال أبو حازم الأعرج: "لأن أحرم الدعاء أشد علي من أن أحرم الإجابة" (١).
فمبدأ الأمور من الله وتمامها من الله تعالى قال تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥)﴾ [السجدة ٥]، فأخبر سبحانه أنه يبتدئ بتدبير الأمر ثم يصعد إليه الأمر الذي دبره ..
وقد قال مطرف بن عبد الله بن الشخير أحد أئمة التابعين: نظرت في