للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم بيّن تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة، فدل على عظمة القراءة في الصلاة وأنها من أكبر أركانها إذ أطلقت العبادة وأريد بها جزء واحد منها وهو القراءة، كما أطلق لفظ القراءة والمراد به الصلاة في قوله: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] والمراد صلاة الفجر كما جاء مصرحًا به في الصحيحين: "إنه يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار (١) " (٢).

وهذا كله يدل على فضل هذه السورة وفضل ما اشتملت عليه من الدعاء العظيم، وقد ثبت كما في الحديث السابق أن هذه السورة منقسمة بين الله وبين عبده وأن هاتين الكلمتين مقتسم السورة فإياك نعبد مع ما قبلها لله، وإياك نستعين مع ما بعدها للعبد وله ما سأل.

ولهذا قال من قال من السلف: نصفها ثناء، ونصفها مسألة، وكل واحد من العبادة والاستعانة دعاء، وهما نوعا الدعاء وهما جميعًا مختصان بالله حقان له لا يصلحان لغيره بل دعاء غيره بأحد النوعين شرك.

وإذا كان الله قد فرض علينا أن نناجيه وندعوه بهاتين الكلمتين في كل صلاة فمعلوم أن ذلك يقتضي أنه فرض علينا أن نعبده وأن نستعينه، إذ إيجاب القول الذي هو إقرار واعتراف، ودعاء، وسؤال، هو إيجاب لمعناه، ليس إيجابًا لمجرد لفظ لا معنى له، فإن هذا لا يجوز أن يقع، بل إيجاب ذلك أبلغ من إيجاب مجرد العبادة والاستعانة، فإن ذلك قد يحصل أصله بمجرد القلب، أو القلب والبدن، بل أوجب الله دعاءه، ومناجاته، وتكليمه، ومخاطبته بذلك، ليكون الواجب من ذلك كاملًا صورة ومعنى بالقلب وبسائر الجسد (٣).


(١) أخرجه البخاري: ٢/ ١٣٧ رقم ٦٤٨، ومسلم: ١/ ٤٥٠ رقم ٦٤٩.
(٢) تفسير ابن كثير: ١/ ١١.
(٣) الفتاوى: ١٤/ ٨، وكتاب التوحيد وإخلاص العمل لله ص: ١٦٥، وبيان تلبيس الجهمية: ٢/ ٤٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>