عليهم في كل صلاة فليسوا إلى شيء من الدعاء أحوج منهم إليه وإذا حصل الهدي إلى الصراط المستقيم، حصل النصر والرزق وسائر ما تطلبه النفوس من السعادة.
فحاجة العبد إلى سؤال هذه الهداية ضرورية في سعادته ونجاته وفلاحه بخلاف حاجته إلى الرزق والنصر فإن الله يرزقه فإذا انقطع رزقه مات والموت لا بد منه، فإذا كان من أهل الهداية كان سعيدًا قبل الموت وبعده، وكان الموت موصلًا إلى السعادة الأبدية، وكذلك النصر إذا قدر أنه غلب حتى قتل فإنه يموت شهيدًا، وكان القتل من تمام النعمة.
فتبين بهذا أن الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق بل لا نسبة بينهما لأنه إذا هدي كان من المتقين ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: ٢، ٣].
وكان ممن ينصر الله ورسوله ومن نصر الله نصره الله وكان من جند الله وهم الغالبون، ثم أيضًا إن الهدى التام يتضمن حصول أعظم ما يحصل به الرزق والنصر، فالهدى التام - وهو أن يهتدي ويأمر غيره ويهديه بقوله وفعله ورؤيته - يتضمن الرزق والنصر لأنه إذا هدي ثم أمر وهدي غيره بقوله وفعله ورؤيته اكتمل له الهدى التام فيحصل له كل مطلوب ومقصود.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن من ضل عن علم فهو شبيه باليهود ومن ضل عن جهل فهو شبيه بالنصارى، ثم قال:"ومن تصور الشبهين والوصفين وعلم أحوال الخلق، علم ضرورته وفاقته إلى هذا الدعاء الذي ليس للعبد دعاء أنفع منه ولا أوجب منه عليه وإن حاجته إليه أعظم من حاجته إلى الحياة والنفس لأن غاية ما يقدر بفوتهما موته، وهذا يحصل له بفوته شقاوة الأبد فنسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم"(١).