للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتأدبون بآداب الحديث (١).

وليس معنى هذا الذي ذكرناه من قلة الاعتناء بدراسة السنة وتدريسها أنه لا يوجد من يعتني بالسنة وتدريسها ودراستها حاشا وكلا، بل لا يزال (٢) في الأمة الإسلامية جهابذة يعتنون بالحديث وعلومه وإن كانوا قلة بل المقصود أن الفهم الصحيح لها والاعتناء بتطبيقها عمليًا من جمهور طلبة العلم هو الذي قل وأدى إلى انتشار الجهل بها، ثم إلى انتشار الخرافات والبدع والشركيات في العالم الإسلامي.

فقد انتشر جهل حقيقة الدين الإسلامي وما بعث الله به نبيه وجميع الرسل من حقيقة التوحيد وإخلاص الدعاء له وصار الناس يظنون الشرك أنه هو التوحيد الخالص وأنه مما يتقرب به إلى الله تعالى، وصاروا يتهمون من دعا إلى التوحيد الخالص بأنه جاء بما يخالف الإسلام.

ووصل الأمر إلى أن اعتقد جماهير من المسلمين أن دعاء الموتى ونداء من تحت الأجداث واستغاثة من في القبور من الطاعات وأن ذلك مما يقرب إلى الله تعالى وأنه من دين الإسلام.

ثم هؤلاء الذين تركوا الاعتناء بالكتاب والسنة اعتاضوا عن ذلك بالاعتناء بالفلسفة والمنطق والتعمق في المسائل الغريبة نادرة الوقوع من المسائل الفقهية مع الجمود والتعصب، وترك السنة الصحيحة لمراعاة المذهب.

كما أنهم أفنوا أعمارهم في دراسة غوامض اللغة وغرائبها وشواذها.

فهذه العلوم لا تشفي عليلًا ولا تهدي السبيل المستقيم، والدارسُ المعتني بها بعيدٌ عن واقع الأمة وآلامها وعلاج عقيدة المجتمع ومشاكله.


(١) زغل العلم ص: ٢٧.
(٢) انظر توضيح الأفكار: ٢/ ٣٥٢، وزغل العلم: ٣٣، والأمصار ذات الآثار: ٢٧، ومقدمة كنوز السنة ص: "ق".

<<  <  ج: ص:  >  >>