للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يحذرنا الشارع الحكيم من الغلو في الصالحين إلا لحكم عظيمة وأسرار بالغة فمن ذلك أن الغلو في الصالحين هو السبب الرئيسي في انتشار الشرك.

أ - فالغلو في الصالحين هو السبب في أول شرك ظهر على وجه الأرض، فقد روى البخاري عن ابن عباس أن ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت (١).

وروى ابن جرير بإسناده إلى محمد بن قيس قال: "كانوا قومًا صالحين من بني آدم وكان لهم أتباع يقتدون بهم فلما ماتوا قال أصحابهم الذين يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر فعبدوهم" (٢).

وهكذا تدرج بهم الشيطان حتى عبدوا هؤلاء الصالحين، فالشيطان لا يأتي إلى الإنسان بالطريق المباشر ولكنه يأتي بحيل وأساليب متنوعة تؤدي في النهاية إلى الضلال نعوذ بالله منه.

فهو يتدرج "مع كل في عشه فقال لمن له انتماء ما إلى الشرع يقربونكم إلى الله زلفى ونحو ذلك، وكذلك عبادة سائر الأحجار يقال: سببها استعظام بعض أهل الحرم أن يغيبوا عن الحرم في سفرهم فأخرجوا منه حجرًا" (٣) ثم تدرج الشيطان في ذلك حتى عبدت الأحجار.


(١) البخاري: ٨/ ٦٦٧ رقم ٤٩٢٠.
(٢) ابن جرير الطبري: ٢٩/ ٩٨ - ٩٩، وإسناده ضعيف لكنه يتقوى بحديث ابن عباس السابق كما أن هناك روايات أخرى عن بعض التابعين تشهد لذلك، من ذلك ما روي عن محمد بن كعب القرظي وأبي جعفر.
(٣) الأرواح النوافخ: ٣٩، وانظر تلبيس إبليس: ٥٥، والأصنام للكلبي: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>