وقالوا لا شفاعة إلا الشفاعة التي لفصل القضاء أو رفع الدرجات، وأما الشفاعة فيمن استحق العذاب أو في إخراج من دخل النار فلم يثبتوها.
وتوسط أهل الحق فأثبتوا ما أثبته الله، ونفوا ما نفاه الله، وهذه هي عادة أهل الحق في المسائل العلمية الاعتقادية والمسائل العملية فهم وسط بين الغالي والجافي كما أن هذه الأمة وسط بين الأمم.
والحاصل أن الناس في الشفاعة على ثلاثة أقوال: فالمشركون والنصارى والمبتدعون من الغلاة في المشايخ وغيرهم يجعلون شفاعة من يعظمونه عند الله كالشفاعة المعروفة في الدنيا، والمعتزلة والخوارج أنكروا شفاعة نبينا محمد ﷺ في أهل الكبائر، وأما أهل السنة والجماعة فيقرون بشفاعة نبينا ﷺ في أهل الكبائر وشفاعة غيره لكن لا يشفع أحد حتى يأذن الله ويحد له حدا (١).
هذا وقد علمنا مما سبق أن الشفاعة الشركية هي التي لم تستوف شروط الشفاعة المثبتة أي التي بدون إذن المُشَفِّع وبدون رضاه، ومن أنواع هذه الشفاعة المنفية الشفاعة التي أثبتها الفلاسفة وقلدهم فيها بعض من ينتسب إلى الملل السماوية.
فالفلاسفة أثبتوا شفاعة شركية أعظم شركًا من شفاعة المشركين حيث أجازوا دعاء الجواهر العلوية - الشمس والقمر والكواكب - وكذلك الأرواح التي يسمونها العقول والنفوس ويسميها من انتسب إلى أهل الملل الملائكة.
وهذا الذي يَدَّعُونه من الشفاعة لآلهتهم أعظم كفرًا من كفر مشركي العرب فإن الفلاسفة لا يقولون: إنَّ الشفيع يسأل الله والله يجيب دعوته كما يقوله المشركون الذين يقولون: إن الله خالق بقدرته ومشيئته فإن هؤلاء عندهم أنه لا يعلم الجزئيات ولا يُحدِث شيئًا بمشيئته وقدرته.