ولم يقتصروا على دعائهم للأموات بأنفسهم بل دعوا المسلمين إلى ذلك فصنفوا المصنفات في تجويز ذلك وتبريره بل في استحبابه ومشروعيته وتفننوا في كثرة التأليف فمن مؤلف في ألفاظ الأدعية التي تقال في المشاهد والمزارات وفيها الكفر الصريح والشرك الواضح، وآخر ينظم القصائد الشركية في الاستغاثة بغير الله تعالى وآخر يؤلف في تبرير هذا العمل وتزيينه ويجمع الشبهات والحكايات والمنامات إلى غير ذلك من الكتب الخرافية المنتشرة في ديار المسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولم يقتصر هؤلاء على دعاء الأموات والتأليف فيه بل ألف بعضهم في دعاء الكواكب والنجوم ومخاطبتها وبعضهم صنف في خواص الحروف والدعاء بأسماء معينة في أوقات معينة، فأدخلوا بذلك دين المشركين من الصابئة والفلاسفة في دين المسلمين، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية مذهب الفلاسفة ثم ذكر أن كثيرًا من متأخري المتصوفة والمتكلمين أدخلوه في دين الحنفاء حتى صنف بعضهم تصنيفًا في ذلك مثل مصنف بعضهم المسمى (السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم) وآخرون صنفوا في الحروف وطبائعها والدعاء بأسماء ذكروها في أوقات مخصوصة (١).
هذا وسأذكر - بعون الله وتوفيقه - بعض المواقف والمظاهر التي يتضح بها مدى ما وصل إليه غلو المتأخرين على الأوائل وبالله التوفيق.
١ - ومن مظاهر غلوهم على الأولين اعتقادهم التصرف المطلق في الكون لمدعويهم المقبورين أو الغائبين بخلاف الأولين حيث يعتقدون الشفاعة والوساطة لدى الإله الأكبر فقط، فلم يكونوا يعتقدون لمدعويهم التصرف بأنفسهم، وسيأتي التدليل على ذلك في مبحث إقرارهم للربوبية من باب الشبهات.
(١) الرد على البكري: ٣٠٢، وانظر الكلام على الأدعية المبنية على الحروف في الاعتصام أيضًا: ٢/ ٢٠.