للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبادة، فتقييدها وتخصيصها بمكان معين بدون دليل بدعة سيئة وضلال بيّن، وبدعيتها يأتي من هذا التخصيص فهي بدعة إضافية إذ أصل الدعاء مشروع وإنما صار بدعة بسبب تحري المكان وقصده بدون أن يكون هذا التحري مشروعاً. ثم إذا علمنا أن ترك الصحابة والسلف الصالح للدعاء عند القبر حجة على بدعيته نذكر دليلاً آخر وهو سعي الصحابة في منع الدعاء عند القبر واجتهادهم في منع وسائله وذرائعه وهو الدليل الآتي:

٣ - إن الصحابة رضوان الله عليهم: "لما فتحوا أرض الشام والعراق وغيرهما إذا وجدوا قبراً يقصد الدعاء عنده غيبوه" (١) وأخفوه.

كما أنهم لما فتحوا بيت المقدس لم يقصدوا قبر الخليل ولا غيره من الأنبياء للدعاء ولا للصلاة، بل إذا رأوا أحداً ينتاب مكاناً معيناً للصلاة ونحوها نهوه وزجروه، ومن ذلك أن عمر بن الخطاب كان إذا رآهم ينتابون مكاناً يصلون فيه لكونه صلى فيه النبي نهاهم عن ذلك ويقول: "هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً، من عرضت له منكم فيها الصلاة فليصل، ومن لم يعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل" (٢).

ومن ذلك ما فعل الصحابة بقبر دانيال، فقد روى ابن إسحاق عن أبي خلدة خالد بن دينار قال: حدثنا أبو العالية قال: "لما فتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف، فحملناه إلى عمر بن الخطاب، فدعا له كعباً، فنسخه بالعربية، فأنا أول رجل من العرب قرأه، قرأته مثلما أقرأ القرآن هذا، فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ فقال: سيرتكم وأموركم، ولحون


(١) منهاج السنة: ٢/ ٤٣٨، ونحوه في: ١/ ٤٨٠ - ٤٨١، وإغاثة اللهفان: ١/ ١٥٨.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة: ٢/ ٣٧٦ - ٣٧٧، وقال الألباني: وسنده صحيح على شرط الشيخين، تحذير الساجد ١٣٧، وأشار إلى صحة إسناده ابن تيمية في قاعدة التوسل: ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>