للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا سد الشارع الحكيم على الشيطان هذه المداخل وحسم مادة الشرك ومنع من كل ما يؤدي إلى دعاء غير الله تعالى، ومن هنا يعلم سر منع الشريعة الإسلامية من تحري الدعاء عند القبر؛ لأن ذلك من أقرب الوسائل التي توصل إلى دعاء صاحب القبر، ومع أن الشارع قد سد هذه الطرق ومنعها، قد وقع ذلك، وحصل من بعض المسلمين اعتقاد إجابة الدعاء عند القبور فأدى ذلك إلى مفاسد كثيرة، وفتن بسببه خلائق من القبوريين حتى صاروا يقيمون الأعياد عندها في يوم معين من السّنة ويقصدون ذلك اليوم كما تقصد عرفة ومنى ومزدلفة بل ربما أكثر من ذلك، وصاروا يسافرون إليها من مسافات بعيدة ويشدون الرحل لقصد الدعاء والعبادة عندها أو الدعاء بها أو دعائها، وهذا الذي يفعل عندها هو بعينه الذي نهى عنه النبي بقوله: "لا تتخذوا قبري عيداً" (١).

وقد أنكر العلماء ذلك إنكاراً شديداً، منهم الإمام أحمد ، فإنه أنكر ذلك وقال: وقد أفرط الناس في هذا جداً وأكثروا وذكر ما يفعل عند قبر الحسين (٢).

فإذا كان هذا الحال في وقت الإمام أحمد وشدة إنكاره لما يقع في زمانه، فكيف لو رأى ما يفعله القبوريون في هذا الزمان؟

وهذه المفاسد الكثيرة سببها اعتقادهم استجابة الدعاء عند القبر أكثر من غيره، وأنَّه أفضل هناك، وإلا فلو لم يقم بالقلب اعتقاد فضل الدعاء عند القبور لانمحت هذه الفتن والمفاسد التي عمّت بلاد المسلمين وشب عليها الصغير وشاب عليها الكبير، فتحصل من هذا أنه إذا كان اعتقاد فضل إجابة الدعاء عندها يؤدي إلى هذه المفاسد كان حراماً، كالصلاة عندها وأولى، وكان ذلك فتنة للخلق وفتحاً لباب الشرك، وإغلاقاً لباب الإيمان (٣).


(١) تقدم تخريجه ص: ٤٥٧.
(٢) اقتضاء الصراط: ٣٠٥ - ٣٠٦.
(٣) اقتضاء الصراط من ٣٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>