للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما زال يذكر أن أصوات الشيوخ كانت تشرق بالدموع وتئن فيها الآهات حين كانوا ينطقون من الأولى: "اللهم انشلني من أوحال التوحيد!! " ومن الثانية: "وجد لي بجمع الجمع منك تفضلاً" يا للصبي الغرير التعس المسكين … فما كان يدري أنه بهذه الصلوات المجوسية يطلب أن يكون هو الله هوية وماهية وذاتاً وصفة، ما كان يدري ما التوحيد الذي يضرع إلى الله أن ينشله من أوحاله ولا ما جمع الجمع الذي يبتهل إلى الله أن يمن به عليه؟ " (١).

فالصلاة البشيشية لها قدر عظيم عند الصوفية حيث يعتنون بها أشد الاعتناء، ومن مظاهر اعتنائهم أنهم يأخذون إجازتها عن شيوخهم ويهتمون بتلك الإجازة حتى وصل الأمر أن ادعوا أن من طرقها الإجازية ما كان من طريق الخضر عن عبد السلام بن مشيش صاحبها (٢)، فقد جعلوا الخضر الذي كان النبي يتمنى أن يصبر موسى ليقص الله علينا من أخباره جعلوه يأخذ الإجازة عن ابن بشيش، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ب - ومن اشتمالها على الاعتداء في الدعاء ما يوجد في تلك الأدعية من سوء مناجاة الله تعالى وخطابه حيث يطلبون من الله تعالى ما لا يليق بهم، كمنازل الأنبياء وتعطيل الأمر والنهي نحو الذي يوجد في حزب البحر للشاذلي من قوله: "اللهم اعصمني في الحركات والسكنات" فهذا طلب للعصمة وهي من منازل الأنبياء (٣)، قال شيخ الإسلام: "ويوجد في كلامه -أي الشاذلي- وكلام غيره، أقوال وأدعية وأحزاب، تستلزم تعطيل الأمر والنهي، مثل أن يدعو أن يعطيه الله إذا عصاه أعظم مما يعطيه إذا أطاعه، ونحو هذا مما يوجب أنه يجوز عنده أن يجعل الذين اجترحوا


(١) مقدمة مصرع التصوف: ٣.
(٢) انظر روح المعاني: ١٥/ ٣٢٧.
(٣) انظر روح المعاني: ١١/ ١٤٨ فقد حاول الألوسي تأويله بأنه طلب الحفظ من الذنب مع إمكانه، ونحوه في جلاء العينين نقلاً عن الشعراني ص: ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>