للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - إن هذا يخالف ما ثبت تاريخياً ودل عليه القرآن الكريم، وهو أن اليهود لم ينتصروا منذ أن خالفوا أنبياءهم وكتب الله عليهم الذلة والمسكنة، فلم يعرف في التاريخ غلبة اليهود للعرب ولا لغيرهم بل هم دائماً مغلوبون، أو كانوا يحالفون العرب فيحالف كل فريق فريقاً فلم يكونوا ينتصرون، بمجردهم، وإنما كانوا يقاتلون مع حلفائهم (١).

فهذه الرواية تدل على انتصار اليهود على العرب وهذا لم ينقله أحد غير هذا الكذاب ولو كان هذا مما وقع لكان مما تتوافر دواعي الصادقين على نقله.

٣ - ثم إن هذه الرواية لو صحت -مع أن دون ذلك خرط القتاد- لا يستقيم الاحتجاج بها لأمرين وهما:

أ - إن هذه الحكاية عن فعل اليهود الذين كانوا قبل مبعث النبي وقد وصفهم الله تعالى بالتحريف والتبديل فيمكن أن يكون هذا الدعاء بهذا الأسلوب التوسلي من بدعهم وتحريفهم، ويقوي هذا التحريف أن الله تعالى لم يذكر لنا عن موسى وبقية أنبياء بني إسرائيل مثل هذا التوسل المبتدع.

ولا يقال إن الله تعالى قد أقرهم على هذا التوسل المبتدع؛ لأن الله تعالى إنما ذكر هذا احتجاجاً عليهم باعترافهم بهذا النبي الكريم قبل مبعثه.

ويدل على هذا أن الله تعالى ذكر في النصارى أنهم ابتدعوا الرهبانية ومع ذلك لم يحافظوا عليها قال تعالى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: ٢٧].

فكما أن احتجاج الله على النصارى بما ابتدعوه من الرهبنة لا يدل (٢)


(١) انظر: الرد على البكري: ٥٨، وقاعدة في التوسل: ١١٦ - ١١٧.
(٢) يراجع في هذا الاعتصام في مواضع منها: ١/ ٢٩٠ - ٢٩١، ٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>