وألفاظهم، فعلى هذا يكون تفسير الوسيلة في الآية بالتوسل بالذات -من التفسير بالرأي المجرد وهو مذموم كما هو معروف، ولهذا لم نجد أيضًا أحدًا ممن ألف في تفسير القرآن الكريم أو شرح معاني غريبه -ذكر هذا المعنى الذي هو التوسل بالذوات، وهذا كله يدل على أن الوسيلة في الآية هو التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة التي يكتسبها الإنسان بنفسه لا بأمر خارج عنه أجنبي لا علاقة له به.
ب - إن قوله تعالى: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ أمر بطلب الوسيلة إلى الله تعالى والأمر للوجوب إن لم يصرف بدليل آخر فلو قلنا: إن الوسيلة هنا تشمل التوسل بالذوات، لزم أن التوسل بالذوات واجب إذ لا صارف لهذا الأمر، وقد أجمع المسلمون على أن التوسل بالذوات غير واجب وإنما الخلاف في الجواز وعدمه ولم يقل باستحبابه إلا بعض المتأخرين بدون دليل، ولو طلبوا بالصارف الذي صرفه عن الوجوب لم يجدوا فثبت بهذا أنه غير مراد من الآية وليس داخلًا في عمومها.
ج - إن هذا الأمر بطلب الوسيلة كان ينبغي للنبي ﷺ أن يبيّنه للأمة إما بقوله أو عمله وذلك عملًا بقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤]، ولم يثبت عن النبي ﷺ في حديث صحيح أو حسن أنه توسل بذاته الشريفة أو بالأنبياء أو الملائكة المقربين أو بصحابته في أدعيته الكثيرة المتواترة، والتي صنفت فيها المجلدات والتي فيها جميع أنواع صيغ الدعاء بأساليب شتى، فكيف يعقل ترك النبي ﷺ لبيان هذا الأمر الإلهي؟
د - إن الصحابة لم يطبقوا هذا الأمر الإلهي بالتوسل بالذوات في حياة النبي ﷺ وقت وقوعهم في الشدائد والعظائم، فلم ينقل أن السرايا والمسافرين منهم توسلوا به، فلو كانت الآية تعني ابتغاء الوسيلة بذوات الأنبياء لرأينا في أدعية الصحابة التي نقلت بألفاظ كثيرة، وفي مناسبات شتي، توسلهم بالنبي ﷺ، وبكبار الصحابة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وباقي العشرة وأصحاب بدر وبيعة الرضوان، فكيف فاتهم هذا الفهم