والأسباب الشرعية للتقرب إلى الله ولقضاء الحاجات معروفة في الكتاب والسنّة، والتوسل البدعي ليس منها، فمن ادعى أنه منها فعليه البيان بالأدلة الثابتة الصحيحة التي تدل على أن الله تعالى جعل التوسل بالذوات سببًا لقضاء الحاجات، ولا يقبل ذلك بالادعاء لأنه أمر شرعي تعبدي فلا بد من النص الواضح على أنه سبب، ولا يكفي في كون الشيء سببًا يتوسل به إلى الله تعالى أن يكون له قدر وحرمة عند المتوسل إليه، وذلك لأن المتوسل إليه إذا لم يأمرنا بأن نتقرب إليه بذلك الذي له قدر وحرمة عنده يكون التوسل إليه من إساءة الأدب إليه، ومن الافتئات عليه لاسيما وقد بيّن لنا ما نتوسل به إليه وسكت عن هذا من غير نسيان، ثم إن فيه اتهامًا له بعدم النصح لنا بعدم البيان لما فيه الخير لنا أو التقصير في ذلك وحاشا الشارع الحكيم من ذلك.
ثم إن هذا الكلام فتح لباب الشرك الذي أمرنا بسد الذرائع إليه، إذ أصل شرك العالم هو بسبب ادعاء الواسطة بين الله وبين خلقه وادعاء الحرمة والقدر عند الله للمعبودين، فثبت بهذا أن المدار في جواز التوسل وعدمه ليس على الحرمة والقدر، وإنما المدار على الشرع، فما أجازه الشرع وجعله سببًا للتوسل جاز، وما لم يرد في الشر، لا يكون سببًا للتوسل لأن المدار على الاتباع لا على القياس والاستحسان.
ط - ويقال أيضًا: إن الآية الكريمة تحث على تقوى الله تعالى والتقرب إليه بما يرضاه من الأعمال الصالحة، كما تحث على الجهاد في سبيله، وهذه الأمور كلها الهدف منها النفع الأخروي الآجل، وليس في سياق الآية ما يدل من قريب ولا من بعيد على طلب النفع الدنيويّ العاجل، أو التقرب إليه بالذوات لطلب النفع العاجل، فالآية فيما هو أسمى من ذلك الذي هو الأمر الأخروي فقوله: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ يكتنفه الأمر بالتقوى والأمر بالجهاد ثم هو مذيل بتعليل ذلك بأنه يؤدي إلى الفلاح، وهذا السياق كله يدل على أن المقصود من الآية الأمر الأخروي والله أعلم.