للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل على أن هذه المعاني مآلها واحد أن ابن جرير الطبري فسر الوسيلة بالقربة ثم قال: "وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل"، ثم ساق أقوال من فسرها بالقربة والمسألة والمحبة استدلالًا على أنها مثل تفسيره (١).

وصنع القرطبي مثل صنع الطبري أيضًا (٢).

وذلك أن مفسري السلف قد يقع في عباراتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم له اختلافًا، وليس كذلك، فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في أكثر الأماكن (٣).

وبما تقدم من تفسير السلف وعلماء التفسير للوسيلة في الآية بما حاصله التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، يعلم ما في قول بعضهم في تعريف الوسيلة: "كل ما جعله الله سببًا في الزلفى عنده ووصلة إلى قضاء الحوائج منه". ثم هنا أمر آخر وهو أن الخلاف في جعل الله التوسل بالذوات سببًا للزلفى عنده، فهو مورد النزاع فيحتاج إلى دليل خارجي يثبت أنه سبب للزلفى ووصلة إلى قضاء الحاجات، لأن الأسباب الشرعية لا بد من ثبوتها بالأدلة وإلا لجعل الناس أسبابًا للقربات من عند أنفسهم وادعوا أنها أسباب (٤).


(١) الطبري: ٦/ ٢٢٦ - ٢٢٧.
(٢) القرطبي: ٦/ ١٥٩.
(٣) تفسير ابن كثير وانظر مقدمة تفسيره: ١/ ٥، والفتاوى: ١٣/ ٣٣٣، وما بعدها و ٥/ ١٦٠ - ١٦٣.
(٤) ومما ينبغي أن يعلم في الأسباب ثلاثة أمور:
أ - السبب المعين لا يستقل بالمطلوب بل لا بد له من أسباب أخر وصرف الموانع.
ب - لا يجوز أن يعتقد أن الشيء سبب إلا بعلم.
جـ - الأعمال الدينية لا يتخذ منها شيء سببًا إلا بالشرع لأن العبادة توقيفية، انظر الفتاوى: ١/ ١٣٧، والرد على البكري: ٨٦ - ٨٧ و ٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>