للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الأقوال المنقولة عن السلف في تفسير هذه الآية ليس بينها اختلاف؛ لأنها عامة تشمل كل هذه الأقوال إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم إنه ليس مراد من فسرها بالجن أو الملائكة أنها خاصة بذلك وإنما مراده مجرد التمثيل.

قال شيخ الإسلام: "وهذه الأقوال كلها حق، فإن الآية تعم كل من كان معبوده عابدًا لله سواء كان من الملائكة أو من الجن أو من البشر والسلف في تفسيرهم يذكرون جنس المراد بالآية على نوع التمثيل، كما يقول الترجمان لمن سأله ما معنى لفظ الخبز فيريه رغيفاً فيقول هذا، فالإشارة إلى نوعه لا إلى عينه.

وليس مرادهم بذلك تخصيص نوع دون نوع مع شمول الآية للنوعين، فالآية خطاب لكل من دعا من دون الله مدعواً وذلك المدعو يبتغي إلى الله الوسيلة ويرجو رحمته ويخاف عذابه، وهذا موجود في الملائكة والجن والإنس" (١).

فمعنى (٢) الآية أن الذين يدعونهم المشركون هم أنفسهم يتقربون إلى الله بالطاعات ويرجونه ويخافونه فكيف يجوز دعاؤهم؟ وهذا كقوله تعالى: ﴿أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ﴾ [الكهف: ١٠٢].

وأما القول بأنها لا تعم إلا الذين كانوا أحياء في وقت النزول وهم الملائكة والجن لأنهم هم الذين يتقربون ويرجون ويخافون وقت نزول الآية.

وأما الذين ماتوا مثل عزير ومريم فلا تشملهم (٣) ففيه نظر؛ لأنَّه يمكن أن يقال: إن الآية تذكر صفتهم في حال حياتهم فقد كانوا يتقربون


(١) الرد على البكري: ٢٨٦، والفتاوى: ١٥/ ٢٢٦، وعنه في ملحق المصنفات: ١٠٢، والفواكه العذاب: ٣٨.
(٢) انظر الرد على المنطقيين: ٥٢٩.
(٣) ذهب إلى ذلك الإمام الطبري : ١٥/ ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>