للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن ذلك هو الأصح عندهم (١) ومثل الحنفية علماء المالكية فقد صرحوا بأن الجهل لا يعذر به عندهم (٢)، وذهب إلى ذلك بعض علماء الشافعية فيما إذا تهاون بعدم تعلمه (٣).

قال الإمام القرافي المالكي بعد أن ذكر الأدعية المحرمة أو المكفرة: "واعلم أن الجهل بما تؤدي إليه هذه الأدعية ليس عذراً عند الله تعالى؛ لأن القاعدة الشرعية دلت على أن كل ما يمكن المكلف دفعه لا يكون حجة للجاهل على الله، فإن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسالته وأوجب عليهم كافة أن يعملوا بها، فالعلم والعمل بها واجبان، فمن ترك التعلم والعمل وبقي جاهلاً فقد عصى معصيتين لتركه واجبين، وإن علم ولم يعمل فقد عصى معصية واحدة بترك العمل.

وأما الجهل الذي يمكن رفعه لا سيما مع طول الزمان واستمرار الأيام والذي لا يعلم اليوم يعلم في غد، ولا يلزم من تأخير ما يتوقف على هذا العلم فساد فلا يكون عذراً لأحد، ولذلك ألحق مالك الجاهل في العبادات بالعامد دون الناسي؛ لأنَّه جهل يمكنه رفعه فسقط اعتباره، وكذلك قال الله تعالى في كتابه العزيز حكاية عن نوح : ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ﴾ أي بجواز سؤاله فاشترط العلم بالجواز قبل الإقدام على الدعاء وهو يدل على أن الأصل في الدعاء التحريم، إلا ما دل الدليل على جوازه، وهذه قاعدة جليلة يتخرج عليها كثير من الفروع الفقهية" (٤).


(١) انظر الفتاوى البزازية: ٣/ ٣٤٧، والبحر الرائق: ٥/ ١٣٥، والفتاوى الهندية: ٢/ ٣٧٦، وجلاء العينين ص: ٥١٥.
(٢) انظر الشرح الصغير للدردير: ٤/ ٤٣٩، وشرح عليش على مختصر خليل: ٤/ ٤٧٧.
(٣) انظر العلم الشامخ ص: ٥٩٠، وتنبيه الغبي: ٢٣، والعقد الثمين للفاسي: ٢/ ١٧٦.
(٤) الفروق: ٤/ ٢٦٤ - ٢٦٥، واعترض عليه ابن الشاط في كون أصل الدعاء التحريم بأن الأصل في الدعاء الندب إلا ما دل الدليل على منعه. انظر البروق بهامش الفروق: ٤/ ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>