للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المخاطب، وكان ذلك أقبح من تعطيل اللسان عن كلامه فإن غاية ذلك أن تفوت مصلحة البيان، وإذا حمل على ضد مقصوده فوت مصلحة البيان وأوقع في ضد المقصود … " (١) وأما فساد الدين فإن التأويل هو الذي فتح الباب للفرق الزائغة وأصحاب المقاصد السيئة لمحاولة هدم الإسلام تحت ستار التأويل.

ولا يخفى ما فعلته الروافض والجهمية بنصوص الكتاب والسنة الخبرية بدعوى التأويل في أمور العقيدة الهامة، ثم جاءت الباطنية فأعملت معاولها في النصوص المتبقية من الشرائع العملية وأمور المعاد، واحتجت بالحجج التي احتج المأولون السابقون من الجهمية والرافضة الذين أولوا النصوص الخبرية.

فلم يستطع هؤلاء الرد على الباطنية بعد أن تعاونوا في تلك المحاولة اليائسة لهدم الشريعة (٢).

وأما فساد مصالح الدنيا، فإنه لا يمكن لأمة من الأمم أن تعيش في ظل نظام التأويل فإنه لو فتح الباب للتأويل لا يمكن لأي قاض أن يحكم في قضية مَّا، ولا يمكن لأي فرد في المجتمع أن يثق بكلام الآخر لاحتماله للتأويل، وبهذا ترفع الثقة من بين الناس.

قال الحافظ ابن عبد البر: "ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات" (٣).

وقال الغزالي: "إن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام بنقل عن صاحب الشرع وبغير ضرورة تدعو إلى ذلك من دليل العقل اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ … والباطن لا ضبط له بل


(١) الصواعق المرسلة: ١/ ١٩١.
(٢) انظر عن هذا الموضوع فضائح الباطنية للغزالي: ٥٣، والصواعق المرسلة: ١/ ١٩٣ - ٢٠٩، والحموية ص: ٢٠.
(٣) التمهيد لابن عبد البر: ٧/ ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>