للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال بعضهم: "وإن كان قائلها -أي كلمة الكفر- لم يرد ظاهرها فهو كافر بقوله، ضال بجهله، ولا يعذر في تأويله لتلك الألفاظ، إلا أن يكون جاهلًا بالأحكام جهلًا تامًا عامًا، ولا يعذر في جهله لمعصيته لعدم مراجعة العلماء والتصانيف على الوجه الواجب من المعرفة" (١).

ويستفاد من هذا أن الجهل أيضًا ليس بعذر في مثل هذه الأمور الاعتقادية الواضحة، فإن العلماء لم يعذروا بالجهل في باب الكفر إلا في بعض المسائل الدقيقة أو في التي لها شبهة قوية تمنع الحكم حتى تبين وقد تقدمت (٢) الإشارة إلى ذلك.

ي ـ الأهم من هذا كله هو أن المشركين الذين نزل فيهم القرآن الكريم وحكم بكفرهم كانوا يعتقدون السببية والتوسط، وهذا هو حجة من يرى المجاز العقلي ويبيح إسناد الدعاء لغير الله تعالى.

فلو أن اعتقاد السببية والتوسط ينفع في حمل كلام من يدعو غير الله تعالى على المجاز العقلي، ويمنع من الحكم عليه بالشرك، لكان الله تعالى أعذر المشركين الذين يعتقدون التسبب والوساطة، ولحكم بكفر من يعتقد الاستقلال فقط، وأما من اعتقد أن الأصنام تقربهم إلى الله زلفى وأنها شفعاء عند الله فاستثناهم ولم يحكم بكفرهم، ولكن رأينا أن الله تعالى حكم على الكل بالكفر والشرك في كتابه العزيز، فلا ينفع ادعاء المجاز العقلي ولا الجدال عنهم بمثل هذه التأويلات البعيدة والحيل الفاسدة، قال تعالى: ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (١٠٩)[النساء: ١٠٩].

وقد تقدم سابقًا بما لا يدع مجالًا للشك أن المشركين الأوائل كانوا يقرون بالربوبية والتأثير المطلق الله تعالى، وإنما يعتقدون الشفاعة والوساطة


(١) العلم الشامخ: ٥٩٠، وتنبيه الغبي: ١٥٩.
(٢) تقدم ص: ٥٦٥ - ٥٦٦، ٩٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>