للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رؤيتهم تمتد إلى الظواهر دون البواطن حذرًا من ذمهم ولومهم واسترواحًا إلى توقيرهم واحترامهم، فإن ذلك مطلوب في الشريعة. وظاهر هذا الحديث يدل على أن للإنسان أن يحترز من ألم المذمة ويطلب راحة الإخوان واستجلاب قلوبهم ليأنس بهم فلا يستقذروه ولا يستثقلوه، وهذا مراءاة في المباحات دون العبادات.

وقد روى ابن عدي في "الكامل" عن عائشة رضي اللَّه عنها: اجتمع قوم بباب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما أراد أن يخرج إليهم جعل ينظر في جب الماء يسوي عمامته وشعر لحيته فقالت: أوتفعل ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: "نعم، إن اللَّه يحب من العبد أن يتزين لإخوانه إذا خرج إليهم" أو كما قال. قال ابن عدي: وهو حديث منكر، وقد قال على تقدير الاحتجاج به: كان [من] (١) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا؛ لأنه كان مأمورًا بدعوة الخلق وترغيبهم في الاتباع واستمالة قلوبهم، ولو سقط من أعينهم فأزروا لبسته وهيئته لم يرغبوا في اتباعه ولا الإيمان به، فكان يجب عليه أن يظهر لهم محاسن أعماله كيلا تزدريه أعينهم، فإن أعين الكفار وعوام الناس تمتد إلى الظاهر، فكان ذلك قصد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي معناه علماء الأمة وأمراؤهم.

ويعضد ذلك كثرة الأحاديث الواردة بالتزين بأحسن الثياب في الجمع والأعياد ومجامع المسلمين (٢)، وفي معناهم القادم من السفر لهذا الحديث (حتى تكونوا) فيهم (كأنكم شأمة) بسكون الهمزة وتخفيف الميم.


(١) زيادة يقتضيها السياق، انظر: "إحياء علوم الدين" ٣/ ٣٧١.
(٢) في (م): الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>