للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فيوشك) أي: يشرع (قائل) من حفاظ القرآن (أن يقول: ما للناس لا يتبعوني) فيما أقول ويعظموني (وقد قرأت القرآن) كله عن ظهر قلب، وقرأت كذا وكذا من كتب الشريعة.

قال أبو بكر محمد الطرسوسي في كتاب "البدع": مما ابتدعه الناس في القرآن الاقتصار على حفظ حروفه دون التفقه فيه. روى مالك في "الموطأ" أن عبد اللَّه بن عمر مكث في سورة البقرة ثمان سنين يتعلمها (١). لأنه كان يتعلم فرائضها وأحكامها، وحلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وناسخها ومنسوخها، وغير ذلك من أحكامها. وعن مالك في "العتبية" قال: كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق يخبرونه أن رجالًا جمعوا كتاب اللَّه، فكتب عمر أن افرض لهم في الديوان، قال: وكثر من يطلب القرآن، فكتب إليه من قابل إنه قد جمع القرآن سبعمائة رجل، فقال: إني لأخشى أن يشرعوا في القرآن قبل أن يتفقهوا في الدين، فكان لا يعطيهم شيئًا.

قال مالك: معناه: مخافة أن يتأولوه غير تأويله. وهذا هو حال المقرئين في هذِه الأعصر، فإنك تجد أحدهم يروي القرآن بمائة رواية وينفق حروفه تنفيق القدح، وهو أجهل الجاهلين بأحكامه، فلو سألته عن حقيقة النية في الوضوء ومحلها وتفريقها على أعضاء الوضوء لم تجد جوابًا، وهو يتلو عمره: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (٢) بل لو سألته: ما أمر اللَّه على الوجوب أو


(١) "الموطأ" ١/ ٢٠٥.
(٢) المائدة: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>