للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"لا يتناجى" (١)، وبها قرأ جمهور القراء في {وَيَتَنَاجَوْنَ} (٢)، وأصل الروايتين من النجوى، وهي السِّرُّ.

(اثنان دون الثالث) خصَّ الثلاثة بالذكر؛ لأنه أقل عدد يتأتى فيه ذلك المعنى، وقد نبه في آخر الحديث على التعليل بقوله: (فإن ذلك يحزنه) كما قال في الآية: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (٣)، والمراد أن الثالث يقع في نفسه ما يحزن لأجل ذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره، أو أنهم لم يروه أهلا لأن يشركوه في حديثهم، إلى غير ذلك من وساوس الشيطان وحديث النفس، وحصل ذلك كله من بقائه وحده، فإذا كان غيره أمن ذلك. وفي معنى مناجاة الاثنين كلامهما بلسان لا يعرفه الثالث، كالتركي والعجمي، فإنه لا يفهم ما يتحدثون به، ويحزنه سماع ذلك، وهذا الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال. وإليه ذهب ابن عمر ومالك وغيرهما من الجمهور، وذهب بعض الناس إلى أن ذلك كان في أول الإسلام؛ لأن ذلك كان حال المنافقين، يتناجى المنافقون دون المؤمنين، فلما فشا الإسلام سقط ذلك. وقال بعضهم: ذلك خاص بالسفر وفي المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه، فأما في الحضر وبين العمارة فلا.

قال القرطبي: وكل ذلك تحكم وتخصيص لا دليل عليه، والصحيح


(١) "صحيح البخاري" (٦٢٩٠)، "صحيح مسلم" (٢١٨٤).
(٢) المجادلة: ٨.
(٣) المجادلة: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>