(بلغني عن أبي عبيد) القاسم بن سلام، حكى الخطابي عنه أنه مكث في تثقيف كتابه أربعين سنة يسأل العلماء (أنه قال) وكذا غيره من العلماء في هذا الحديث (وجهه أن يمتلئ قلبه) بحبه والإكثار منه (حتى يشغله) بفتح أوله وثالثه إنشاد الشعر والاشتغال بأسبابه (عن) قراءة (القرآن وعن ذكر اللَّه) تعالى وغيرهما مما هو أهم منهما، أو يقضي به إلى تعاطي مجان الشعراء وسخفاتهم، فإن الغالب من أحوال من انصرف إلى الشعر بكليته أن يكون كذلك، ويصده عن ذكر اللَّه والصلاة (فإذا كان القرآن والعلم) الشريف هما (الغالب) على أحواله، فلا يضره حفظ الشعر اليسير مع هذا؛ لأن جوفه ليس ممتلئًا من الشعر (فليس جوف هذا عندنا ممتلئًا من الشعر) وقال بعضهم: المراد بالشعر في هذا الحديث ما هجي به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
قال العلماء كافة: فهذا تأويل فاسد؛ لأنه يقتضي أن المذموم من الهجاء أن يمتلئ منه قلبه دون قليله، وقد أجمع المسلمون على أن الكلمة الواحدة من هجاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- موجبة للكفر، واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على كراهية الشعر مطلقًا، قليله وكثيره، وإن كان لا فحش فيه، وتعلق بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خذوا الشيطان"(١) وقال العلماء كافة: هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه، وقد أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهجو الكفار والتوسع في المدح، وإن كان كذبًا، فإنه لا يلتحق في التحريم بالكذب؛ كقول الشاعر: