للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الآخرة وسوء العاقبة، والمراد بالبناء الذي هو وبال على صاحبه بناء القصور المشيدة والحصون المانعة والغرف المرتفعة فوق العقود المحكمة التي تتخذ للترفه ووصول الأهويه إلى النازل بها، ويرجون بذلك التمكن في الدنيا والتشبه بمن يتمنى الخلود في الدنيا ويلتهي بذلك عن ذكر الآخرة، فنسأل اللَّه تعالى العافية من ذلك.

وقد ذم اللَّه تعالى فاعل ذلك بقوله تعالى {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩)} (١) قيل: المصانع هي القصور المشيدة وبروج الحمام.

(إلا ما لا) فيه حذف تقديره: أن كل بناء فهو وبال على صاحبه إلا ما لا بد من فعله للإنسان مما يستره من الحر والبرد ويقيه فساد السباع ونحوها من اللصوص التي ترتفع على البناء القصير وتتسور الجدار لينزل على صاحب الجدار فيسرق ما يجده، فيباح ارتفاع الجدار بقدر ما يدفع ضرر المفسدين إلا ما لا بد للإنسان منه.

ونظير هذا الحذف قول العرب: افعل هذا إما لا. أي: إن كنت لا تفعل غيره فافعله.

ومما ورد في ذم البنيان ما رواه أبو داود في "المراسيل" عن عطية بن قيس قال: كان حجر أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بجريد النخل، فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مغزى له وكانت أم سلمة موسرة، فجعلت مكان الجريد لبنًا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما هذا؟ " قالت: أردت أن أكف عني أبصار الناس. فقال: "إن شر ما ذهب فيه مال المرء المسلم البنيان" (٢).


(١) الشعراء: ١٢٩.
(٢) "المراسيل" (٤٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>