للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(قال: فحاص) بالحاء والصاد المهملتين (الناس حَيصة) أي: كروا راجعين وحالوا منهزمين، يقال: حاص الرجل إذا حاد عن طريقه وانصرف عن وجهه إلى جهةٍ أخرى، ومنه قوله تعالى: {مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ}، وروي جاض الناس جيضة بالجيم والضاد المعجمتين وهو بمعناه، وحكى الجوهري عن الأصمعي: حاص عن الشيء يحيص حيصا أي: حاد عنه (١).

(فكنت فيمن حاص) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فيه الاعتراف بالذنب والتوبة منه (فلما برزنا) أي: ظهرنا من عنده وصرنا في البراز، وهو المتسع من الأرض (قلنا: كيف نصنع) فيما وقع منا.

وفيه دليل على فضل الصحابة -رضي الله عنهم -، في تدارك ما فرط منهم والمبادرة إلى الندم على ما صدر منهم والتوبة من الذنب على قرب عهدٍ منه (و) كيف الخلاص مما اقترفنا.

(قد فررنا من الزحف) أصل الزحف: المشي المتثاقل كالصبي يزحف قبل أن يمشي، وسمي القتال عند التقاء المسلمين والكفار زحفًا لأنه يزحف فيه، وليس في الحديث أنهم انصرفوا عن الصف، ولا رأوا العدو، وإنما رجعوا من السرية التي كانوا فيها، ولا يظن بالصحابة -رضي الله عنهم - أنهم ارتكبوا كبيرة الفرار من الزحف، وإنما تكون كبيرة إذا التقوا هم والكفار كما قال تعالى: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} (٢) وتسمية رجوعهم من السرية فرارًا من الزحف وبوءًا


(١) "الصحاح" ٣/ ١٧٢.
(٢) الأنفال: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>