للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عند أهل البيان قصرًا.

قلت: لأنه أتى به للرد على من يزعم أن من كان رسولًا يعلم الغيب ولا يخفى عليه المظلوم ونحو ذلك (أنا بشر) أي: من الخلق سمِّي بذلك لظهور البشرية، والبشر يطلق على الواحد، كما في هذا الحديث، وعلى الجمع نحو قوله تعالى: {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (٣٦)} (١).

والمراد بقوله: (إنما أنا بشر) أي: إنما أنا مشارك لغيري من البشر في صفاتهم الخلقية، وإن زاد عليهم بما أعطاه الله تعالى من المعجزات الظاهرة وإطلاعه على الغيوب، حيث أطلعه الله تعالى، ولكن إنما نحكم بين الناس بالظاهر، والله متولي السرائر، فيحكم بالبينة واليمين ونحوهما من أحكام الظاهر مع جواز كون الباطن على خلافه، ومثله حديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" (٢). وقوله في المتلاعنين: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن" (٣) لكن لما كان أمته مثله ومأمورون باتباعه والاقتداء به، جعل له من الحكم ما يكون حكمًا لهم؛ لأن الحكم بالظاهر أطيب للقلوب وأسكن للنفوس، وهذا نحو قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (٤).


(١) المدثر: ٣٦.
(٢) رواه البخاري (٢٥)، ومسلم (٢٠) من حديث ابن عمر، وقد تقدم عند أبي داود برقم (١٥٥٦، ٢٦٤٠) من حديث أبي هريرة، (٢٦٤١، ٢٦٤٢) من حديث أنس.
(٣) تقدم عند أبي داود برقم (٢٢٥٦) من حديث ابن عباس.
(٤) الكهف: ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>