وقوله تعالى:«أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ» أي أنزل الله هذا الكتاب الذي أنزل إليك، بعلمه وتقديره، حيث تخيّر له الرّسول الذي هو أهل لحمله وأداء الرسالة المشتمل عليها..
وفى هذا يقول الله سبحانه:«اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ»(١٢٤: الأنعام) وقوله سبحانه: «وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ» أي والملائكة يشهدون أن هذا الكتاب هو من عند الله، وأنك الرسول المتخيّر.
وشهادة الملائكة قائمة على الحق، لأنهم لا يعرفون الكذب، ولا يتعاملون به.. فهم إذا شهدوا على شىء كان حجة على الناس أن يأخذوا بهذه الشهادة، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»(١٨: آل عمران) أي والملائكة وأولوا العلم يشهدون بأن الله لا إله إلّا هو قائما بالقسط.
وقوله تعالى:«وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً» هو دفع لشبهة من يقع فى وهمه أن شهادة الملائكة تزكية لشهادة الله وتقوية لها.. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وإنما شهادة الملائكة هى إقرار بالحق الذي يجب أن يشهد به الوجود كله، وبخاصة أصحاب العقول، وأولوا العلم! وإذا كانت تلك هى شهادة الله سبحانه للقرآن الكريم، وهى شهادة الملائكة أيضا له.. فإن الذين لا يأخذون بهذه الشهادة، ويظلّون على ما هم فيه من كفر وعناد، لا يستقيم لهم طريق على الحق أبدا، وأنهم إذ كفروا وظلموا أنفسهم بهذا الكفر، فليس لهم فى رحمة الله نصيب:«لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً» .
وقوله تعالى:«إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ» هو كشف عن هذا المصير الذي سيصير