اتسعت شقّة الخلاف بين المتخاصمين، وانقسمت الفرق المختلفة على نفسها، فكان لكل فريق مقولات تدور حول الأصل الذي قام عليه الرأى فى المذهب.
[تفصيل بعد إجمال]
ولكى نتعرف إلى وجه الحق فى هذه القضية، يجب أن ننظر فى آراء هذه الفرق، وفى الأدلة التي قدموها بين يدى هذه الآراء، ثم إن لنا بعد هذا رأينا، الذي نفقهه من ديننا، بعيدا عن التعصب المذهبى، أو التحزّب الطائفي، وخالصا من كل غرض، إلا ابتغاء الحق، وإلا إقامة العقيدة على الحق الذي نزل به الكتاب، وبيّنه الرسول.. كلّ هذا فى إيجاز شديد، لأننا نعالج قضية شغل بها العقل الإنسانى منذ كان، وإلى أن يخلى مكانه من هذا العالم، وقد خلّف وراءه محصولا من الآراء والمقولات لا حصر لها.
[آراء القدرية]
برز من المعتزلة عدد غير قليل من ذوى اللّسن والرأى.. قالوا بالقدر، وسمّوا بالقدرية، لأنهم يقولون إن العبد قادر على خلق أفعاله، مختارا غير مضطر..
وقد استطاعوا بما لهم من فصاحة وعقل أن يصوروا آراءهم فى منطق، وأن يصوغوها فى قوالب من الفصاحة والبلاغة، بما كان لهم من نظر فى كتب الفلسفة والمنطق، وبما اطلعوا عليه من المعتقدات الدينية الوافدة مع الداخلين فى الإسلام من كل أمة.. فكانت لهم فلسفة، وكان لهم أدب.. وحسبك أن يكون من رجال هذه الطائفة.. واصل بن عطاء، والنّظّام، وأبو الهزيل العلّاف، والجاحظ، وجميعهم أئمة فى الأدب، كما أنهم أئمة فى الرأى..