لو كان قد استولى على قلوبهم من خوف وهلع، وأمدّهم بجنود من عنده، كانوا ردءا لهم، ويدا قوية ضاربة معهم، فكان لهم النصر والظفر..
وأمّا عطف قوله تعالى:«ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ» فكان من عطف حال على حال، وقصّة على قصّة، وشأن على شأن، وأن الصّلة التي بينه وبين ما قبله ليست صلة سبب ومسبّب، أو علة ومعلول..
ذلك أن ما كان يتوقعه المسلمون بعد فرارهم وتولّيتهم الأدبار، هو وقوع غضب الله عليهم فى الدنيا، والعذاب الأليم فى الآخرة.. ولكن الذي حدث كان غير هذا، فقد عاد الله سبحانه وتعالى بفضله وإحسانه عليهم، وجاءهم برحمته ومغفرته، وتقبّل توبة التائبين منهم.
وقد جاءت رحمة الله ومغفرته إلى الذين فروا وولوا الأدبار فى هذه الصورة المتراخية- وفى هذا ما يشعر بأن مغفرة الله ورحمته ما كانت لتنال هؤلاء الفارّين أبدا، وأنها إذ نالتهم فى تلك المرّة، فإنها قد لا تنالهم بعدها.. لأن الحكم المسلّط على الفارّين الذين يولّون الأدبار فى ميدان القتال هو الحكم المحكم الذي لا يردّ، وأن هذا الذي أصاب المسلمين الفارين من مغفرة ورحمة فى هذا اليوم هو استثناء من أصل، ليس من الحتم أن يقع فى كل حال تشبهه!
الآيتان:(٢٨- ٢٩) [سورة التوبة (٩) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]