أولا: أن يبصّرونهم يفيد أن أهل الموقف- لما هم فيه من بلاء- لا يكادون يبصرون شيئا.. ولكن كأن قوة خارجة عنهم تحملهم حملا على أن يفتحوا أعينهم على هذا المكروه الذي يحيط بهم، ويهجم عليهم..
وثانيا: أن يبصّرونهم، تجعل المبصرين والمبصرين على سواء، فكل منهم يبصر، ويبصر، فى حال من الفزع والهلع، لا تدع لأىّ سبيلا إلى الاختيار فيما ينظر إليه..
هو حال من ضميرى الرفع والنصب فى يبصرونهم.. أي أنه يبصر بعضهم بعضا، ويكشف بعضهم حال بعض، فى حال يود فيها المجرم لو يفتدى من عذاب هذا اليوم ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التي تؤويه، ومن فى الأرض جميعا..
[من الإعجاز النفسىّ.. فى القرآن]
ولا بد من وقفة هنا بين يدى قوله تعالى: يودّ المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبته وأخيه. وفصيلته التي «تُؤْوِيهِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ» .. حيث نجد صورة من صور الفرار من الخطر، يتخفف فيها الإنسان مما بين يديه من كل عزيز عليه، غال عنده، ولكنه محمول على هذا تحت وطأة البلاء المحيط به.. ولهذا فهو لا يلقى بكل مدخراته جملة واحدة، وإنما يخلى يده من بعض، ويشدّ يده على بعض، حتى إذا لم يجد فيما فعل ما يخفف عنه البلاء، ألقى بكل مامعه جميعا، لعله يجد فى هذا طريقا للإفلات من يد هذا الخطر المطلّ عليه..
والفرار من الخطر، وطلب النجاة من مواطن الهلاك، غريزة مركوزة