التفسير: ومن هذا الموقف الذي دعى إليه المشركون وأهل الكتاب إلى مواجهة الرسول الكريم، وأخذ شهادتهم فيه، وفى الكتاب الذي بين يديه- من هذا الموقف ينتقل هؤلاء جميعا انتقالا سريعا إلى موقف آخر، هو موقف الحشر يوم القيامة.. وإذا هم يلقون الجزاء الذي يستحقونه، لكفرهم بالله، وتكذيبهم لرسول الله.
«وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ» ؟ ويتلفت القوم إلى هؤلاء الشركاء الذين يسألهم الحقّ جلّ وعلا عنهم، فلا يجدون لهم أثرا، ويخيّل إليهم من ضلالهم أن جسم الجريمة قد اختفى، وأنهم لن يؤخذوا بهذا الجرم الذي لا يقوم شاهد على وجوده.. فيقولون كذبا، وبهتانا:«وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ» .. يقسمون بالله ويؤمنون به، ويدعونه ربّهم، إمعانا فى الكذب، وتعلقا بالوهم، للفرار من هذا الموقف الرهيب! وفى قوله تعالى:«ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ»
إشارة إلى أن هذا القول الذي قالوه هو فتنة أخرى، إذ ما زالوا على ضلالهم القديم، وتصورهم الفاسد، وأنه تعالى لا يعلم ما قدّموا وما أخّروا، وما أسرّوا وما أعلنوا.. فسمّى سبحانه وتعالى هذا القول منهم فتنة.. ولم يقل سبحانه: ثم لم يكن قولهم، أو جوابهم.. إذ كان قولهم هذا، هو فتنة لهم وضلال مبين.