التفسير: قوله تعالى: «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ» هو استدعاء لأهل الكتاب، من اليهود والنصارى، لأخذ شهادتهم فى هذا الكتاب الذي بين يدىّ النبىّ، والذي يواجه به المشركين من العرب، فيلقونه بالتكذيب والاستهزاء.. وأهل الكتاب هؤلاء يعرفون صدق الرسول، وصدق ما جاء به، معرفة محققة مستيقنة، كما يعرفون أبناءهم، حيث لا تختلط على أحدهم وجوه أبنائه بغيرهم.. ولو أنهم كانوا مؤمنين بالله، وبالكتاب الذي معهم، لآمنوا بمحمد وبالكتاب الذي معه، ولكنهم كتموا شهادة الحقّ..
بغيا وحسدا.. فخرسوا، ولم ينطقوا، أو نطقوا كذبا وبهتانا.. إنهم «الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» بالرسول وبما معه من كلمات الله، ولا يؤمنون بكتابهم الذي فى أيديهم، وذلك خسران بعد خسران، وضلال فوق ضلال.
وقوله سبحانه:«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ» ، هو تهديد ووعيد للكافرين من أهل الكتاب هؤلاء، الذين افتروا على الله الكذب، فحرّفوا كلماته، وبدّلوا آياته، وقالوا فى محمد وفى كتابه، غير ما عرفوه من كتاب الله عندهم، فإن لم يكن منهم فى هذا تحريف ولا تبديل، فقد كان منهم تكذيب لآيات الله، بتأويلها تأويلا فاسدا، وحملها على مفاهيم منكرة، تحجب وجه الحق فيما فى كتابهم من دلائل تدلّ على النبىّ، وتحدد صفته، وصفة رسالته.
وقوله تعالى:«إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ» حكم على أهل الكتاب، الذين ظلموا الحقّ، وظلموا أنفسهم، فضلوا وأضلوا.. وذلك هو الخسران المبين.